لم يساهم التباطؤ الاقتصادي المرتبط بوباء فيروس كورونا (كوفيد-19) والأزمات الأخرى التي تزامنت معه في إبطاء أزمة المناخ. فتشير البيانات الأولية إلى زيادة انبعاثات غازات الدفيئة عالميًا في العام 2020 في حين بلغ معدّل الحرارة العالميّة في العام 2020 حوالى 1.2 درجة مئوية فوق مستوى ما قبل الحقبة الصناعية، وقد اقترب بشكل خطير من حد 1.5 درجة مئوية الذي دعا إليه اتفاق باريس. وفشل العالم أيضًا في تحقيق أهدافه للعام 2020 المتعلقة بوقف فقدان التنوع البيولوجي، في حين فقد العالم 10 ملايين هكتار من الغابات سنويًا بين عاميْ 2015-2020. ومن أجل حصر الاحترار العالمي في حدود 0.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية، يجب أن يصل صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى مستوى الصفر الصافي بحلول العام 2050، وفقًا إلى الهدف 13 من خطة التنمية المستدامة للعام 2030 (اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل التصدي لتغيّر المناخ وآثاره) واتفاق باريس للمناخ. وازدادت نسبة غازات الدفيئة في العام 2020 في مختلف أنحاء العالم، على الرغم من التغيرات في الأنماط المعتادة في خلال فترات الإغلاق الشامل من جرّاء الوباء.
وتأتي هذه الدراسة في زمن التقاء أزمات الكوكب الثلاثة: أيّ أزمة المناخ وأزمة التنوّع البيولوجي وأزمة التلوّث. وتتزامن أيضًا هذه التحديات مع أزمة التمويل العالمي وأكبر تفاوت مُسجّل في توزيع الثروة منذ قرن، إضافة إلى أزمة النمو السكاني (التي لم تعالجها العمليات السياسية العالمية منذ العام 1994)، وأزمة النزاع المسلح والاحتلال، وأزمة النزوح البشري ذات الصلة. يقع العالم العربي في صلب هذه الأزمات جغرافيًا، كما تُعد الأزمة موضوعًا متداولًا ومصطلحًا شائعًا في الخطاب المعاصر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتشكل مجموعة هذه الأزمات معضلة للدول والحكومات التي يتعيّن عليها إعطاء الأولوية للجهود والموارد من دون انتقائية.
لا بد من الإشارة إلى أن المنطقة تسجّل أيضًا أعلى معدل بطالة في صفوف الشباب وأعلى مستوى هروب لرؤوس الأموال ، كما تتميّز بمزيج فريد متوقع من الإجهاد المائي ومخاطر الجفاف، بالتزامن مع انخفاض غلة المحاصيل بسبب تغير المناخ. إلى جانب التصنيف المتدني الذي تشهده بلدان عربية كثيرة وفق دليل التنمية البشرية وتفشي الفقر، تواجه المنطقة أيضًا صراعات داخلية على الموارد الطبيعية الشحيحة مثل الصراعات بين ممارسي الزراعة البعلية والرعاة.
تستضيف المنطقة - وتنتج - غالبية النازحين واللاجئين. وتؤدي النزاعات في بعض البلدان إلى ضعف في الأداء وتراجعه في إطار معظم أهداف التنمية المستدامة، ولا سيما في ما يتعلق بالأمن الغذائي (الهدف 2) والصحة (الهدف 3) والسلام والعدالة (الهدف 16). وتندرج ثلاثة بلدان من المنطقة (جمهورية السودان والجمهورية العربية السورية والجمهورية اليمنية) بين البلدان الخمسين الأخيرة على لوحة متابعة أهداف التنمية المستدامة في العام 2020. وتتجلى أيضًا عواقب النزاع على البيئة في قطاع غزة المحتل في فلسطين، إذ توقعت الأمم المتحدة عدم صلاحيته للسكن بحلول العام 2020.
وفي هذا السياق، يؤكد الخطاب الرسمي على وسائل القطاع الخاص وخبراته في تحقيق التحوّل الأخضر من خلال إعداد مبادرات خضراء مربحة وفعّالة. وفي الوقت عينه، ينطوي دور الحكومة على تسهيل وتحفيز وتنظيم العملية التي تهيمن عليها المصالح الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن الحكومة تراعي في عملها العوامل البيئية الخارجية، وتشجع الشمولية الاجتماعية وتمكّن بشكل عام تحوّل الاستثمارات في الموارد البشرية والطبيعية، بما في ذلك الطاقة النظيفة والمتجددة.
ويشير الخطاب إلى القدرة على حشد التمويل والاستثمار الخارجيّيْن للمشاريع الخضراء، فضلاً عن الحد من انبعاثات الكربون، كإجراءات لنجاح التحوّل الأخضر. وشهد التمويل الأخضر انتشارًا كبيرًا وسريعًا في السوق العالمية، فارتفعت قيمة الأموال المخصّصة للقطاع من 46 مليار دولار في الصكوك الخضراء في العام 2015، إلى عتبة 250 مليار دولار في العام 2019. واحتلت مصر على ما يبدو الصدارة بين دول المنطقة في حشد التمويل من خلال الصكوك الخضراء التي باعتها في بورصة لندن منذ العام 2019.
تُظهر تجربة التحول الأخضر وتمويله في المنطقة العربية أداءً متفاوتًا عبر 23 دولة خضعت للاستعراض. ومع ذلك، فقد اتخذت معظم الدول العربية تدابير جادة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتنفيذ مشاريع التحول الأخضر في قطاعات متعددة. نتج عن معطايات هذا البحث مجموعة من التوصيات للمؤسسات المالية والحكومات ومنفذي المشاريع والمجتمع المدني، وتحدد الأولويات لمزيد من البحث والمراقبة لهذه العمليات الحاسمة.
لتحميل التقرير كاملًا بقلم جوزيف شيكلا، المسار الصديق للبيئة: رصد التحوّل الأخضر في العالم العربي، نشر بالتعاون مع شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية (آذار/مارس 2022)