ارتفاع كبير في أسعار الوحدات ورفع الفائدة يعمق الأزمة واقتراح بإقرار نسبة بنكية خاصة بقروض السكن.
تراجع وجدي الحزامي (40 سنة) عن اقتناء شقة صغيرة في العاصمة تونس، بعد أن تحول حلمه إلى كابوس بسبب الأسعار المبالغ فيها للشقق والمنازل في الفترة الأخيرة.
يقول الحزامي، الموظف الذي يتقاضى راتباً شهرياً في حدود 1200 دينار شهرياً (نحو 400 دولار) لـاندبندنت عربية إنه لم يعد بإمكانه المجازفة بالحصول على قرض بنكي لشراء شقة قد يصل ثمنها زهاء 300 ألف دينار (100 ألف دولار) ويمضي بقية حياته يسدد القرض البنكي بفوائد مرتفعة نسبياً تصل إلى أكثر من 13 في المئة.
وأرجع الحزامي عدم إقبال الشباب التونسيين على الزواج إلى الارتفاع اللافت لقروض السكن، التي وصفها بأنها قاصمة للظهر قائلاً، إن المواطن الحاصل على قرض سكني يظل سجين القرض إلى حدود خروجه على التقاعد من عمله.
ويشتكي التونسيون خلال السنوات الأخيرة من غلاء فاحش لأسعار الشقق والمنازل التي وصلت إلى مبالغ قياسية لم تعد الطبقة الوسطى من التونسيين قادرة على مجاراتها.
ويتذمر المقاولون بدورهم من حالة الركود التي يعرفها القطاع السكني في تونس لعدم إقبال المواطنين على شراء الشقق والمنازل، الأمر الذي يهدد قطاعاً ترتبط به نحو 300 مهنة بالانهيار وإفلاس عديد من شركات المقاولات.
وضعية السكن في تونس زادت تعقيداً إثر إقدام البنك المركزي التونسي على زيادة نسبة فائدة القروض البنكية في خطوة لكبح جماح نسبة التضخم الآخذة في الارتفاع من شهر إلى آخر 8.1 في المئة في يونيو (حزيران) 2022.
أهمية اقتصادية بارزة
كمال منصور، صاحب شركة مقاولات ونائب رئيس الجامعة الوطنية للبناء (تابعة لمنظمة الأعراف التونسية)، تحدث عن الأهمية الاقتصادية لقطاع البناء باعتباره مساهمته الكبيرة في تنشيط عديد من القطاعات الأخرى.
وقال منصور لـاندبندنت عربية إن قطاع البناء يوفر زهاء 40 ألف موطن شغل، وتبلغ قيمته المضافة في تونس نحو ألف مليون دينار (300 مليون دولار) فيما يصل المعدل السنوي لصادراته إلى نحو 300 مليون دينار (100 مليون دولار).
لكنه استدرك بأن القطاع يشكو عديداً من الصعوبات الظرفية والهيكلية التي أثرت في تطوره، وتجسمت في تداعيات أزمة كوفيد-19 في عامي 2020 و2021 وتعمقت أكثر بتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية التي أسهمت، وفق رأيه، بارتفاع كبير في أسعار الطاقة والمواد الأولية ومدخلات مواد البناء.
وتفاعلاً مع قرار البنك المركزي التونسي بالترفيع في نسبة الفائدة المديرية لتمر من 6.25 إلى 7 في المئة، اعتبر كمال منصور أن هذا القرار كان متوقعاً لأجل تطويق نسبة التضخم في تونس التي تعرف منحى تصاعدياً. لكن في المقابل أكد أن هذا القرار سينعكس سلباً على قطاع البناء والسكن في تونس من خلال تسجيل ارتفاع لافت لتكلفة القرض البنكي، بخاصة قروض السكن.
وأوصى منصور بأهمية إعداد تصورات تعتني بالتشجيع على الاستثمار في القطاع وبمجال صناعة مواد البناء، علاوة على تأكيده أهمية أن يكون ملف السكن من الملفات ذات الأولوية، من خلال إقرار نسبة فائدة عقارية.
وخلص بدعوة الحكومة إلى إيجاد حلول بديلة مثل إقرار نسبة فائدة خاصة بالسكن تساعد التونسيين على امتلاك منازل، على اعتبار أن استمرار تلك الحال يحول دون ذلك، وفق تقديره.
ارتفاع المؤشر العام
ارتفع المؤشر العام لأسعار العقارات في تونس، خلال الثلث الرابع من سنة 2021، بنسبة 6.2 في المئة وذلك مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية.
وحسب مؤشر أسعار العقارات الذي يصدره المعهد الوطني للإحصاء (حكومي)، سجلت أسعار الشقق ارتفاعاً بنسبة 1.3 في المئة (8.5 في المئة كمعدل مسجل خلال الست سنوات الماضية). وزادت أسعار الأراضي السكنية بنسبة 9.6 في المئة وارتفعت أسعار المنازل بنسبة 2.1 في المئة (5.3 في المئة كمعدل للفترة 2015-2020).
ووفق المعهد، واصل حجم المبادلات التجارية العقارية للثلث الثالث على التوالي تدحرجه لينخفض بنسبة 6.9 في المئة، مع تراجع المبادلات بالنسبة للأراضي السكنية بنسبة 88.5 في المئة، وحسب التقييم الدوري للأسعار لدى موقع مبوب (موقع تونسي متخصص بالعقارات) فقد بلغ متوسط سعر المتر المربع الواحد للشقق في تونس 2500 دينار (833 دولاراً) خلال النصف الأول من السنة الحالية، بارتفاع بنسبة 5.45 في المئة مقارنة مع النصف الأول من عام 2021.
من جهته، كشف فهمي شعبان رئيس الجامعة الوطنية للبناء أن ملف السكن في تونس أضحى شائكاً ومعقداً، منتقداً قرار البنك المركزي الترفيع في نسبة الفائدة المديرية ما سيؤدي إلى زيادة في تكلفة القرض البنكي الموظف على السكن، وكذلك ارتفاع التكلفة للمقاولين العقاريين بإثقال كاهلهم.
وأوضح أنه قبل 25 يوليو (تموز) 2021 توصلت حكومة هشام المشيشي (المعفى من مهامه) إلى اتفاق بإقرار نسبة فائدة مديرية خاصة بقطاع السكن بنسبة 3 في المئة فقط، ملاحظاً أن البنك المركزي قد وافق مبدئياً على قبول هذه النسبة. ولم يستبعد شعبان أن تزيد أسعار المساكن في الفترة المقبلة إثر تعديل نسبة الفائدة المديرية.
جهود لتوفير الأراضي
يقول نجيب السنوسي، مدير عام السكن بوزارة التجهيز والإسكان التونسية، إن الوزارة تشتغل منذ سنوات عدة على إعداد تنقيح جذري وشامل في اتجاه مزيد تنظيم التدخل العمراني وتوفير الأراضي السكنية.
وأقر المسؤول في ما يهم تجربة السكن الأول (للموظفين) التي تم إحداثها في عام 2017، بأنها لم تكن ناجحة ولم تحقق الأهداف المرجوة، إذ مولت شراء نحو 2000 مسكن مقابل 7 آلاف مسكن مستهدف. وعزا ذلك إلى ارتفاع تكلفة البناء والتمويل بخاصة نسب الفائدة الموظفة على قروض السكن التي وصلت إلى نحو 12 في المئة، وفق تقديره.
وذكر السنوسي أنه يجري حالياً تشييد زهاء 8 آلاف مسكن اجتماعي، إلى جانب إسهامها شركات المقاولات الحكومية في توفير ما بين 200 و250 هكتاراً سنوياً صالحة للبناء، علاوة على توفير نحو 1500 منزل وشقة سنوياً.
إجمالاً، فإن مفخرة تونس في السابق كانت تشير إلى امتلاك نحو 80 في المئة من التونسيين لمنازل وشقق، لكن بسبب الظروف الاقتصادية الراهنة وصعوبة الحصول على القروض الموجهة للسكن، فإن تلك النسبة باتت تتراجع.